القرين
هيه هيه ، إلى أين أنت ذاهب ؟
كعادتي إلى صلاة الجماعة ، ولكن من يناديني فأنا لا أرى أحداً !
ليس لك أن تسأل ؛ المهمّ أن تعرف أنك ترتكب خطأ .
ألأني أذهب إلى بيت الله وأتعبّد أكون قد أخطأت ؟ أم لأني أتقرَّب من الله وأطلب المغفرة ؟
ليس هذا ولا ذاك ، ولكنك تصلّي كما يصلّي الفاسقون من قومك ، حتَّى إنهم يصلّون في الصّف الأوَّل ، بل إنَّ أكتافهم تلاصق كتفك .
وكيف لي أن أعرفهم وأبتعد عنهم ؟
( هنا حطنا الجمّال ) بدأ عقلك يعمل ومداركك تتفتّح ، لو نظرت في وجوههم نظرة المتفكّر الخبير لرأيتْ كيف أنَّ الآثام قد علتها ! ولعلمت ما فعلوه تحت جنح الليل من المعاصي والكبائر الّتي لا تُغتفر !
والله كلامك صحيح ، والآن أراجع نفسي ، أتعلم أنَّ البارحة كان وجه أبي سليمان يعلوه التَّعب ، وعيناه متورّمتين حتَّى إن بقعتين سوداوين كانتا تظهران تحتهما ! ولما سألته عن سبب ذلك ، جاوبني كاذباً : إن وجعاً أصابه ولم يستطع النَّوم طيلة الليل .
يا له من كذّاب أشر ! أتعلم أنَّه كان يسهر على الأفلام الخلاعيّة المحرّمة ؟
(لأ يا ختيار الجنّ لأ) وأنا من حزنت عليه وواسيته ، وأردتُ أن أوصله إلى بيته خشية وقوعه في الطَّريق !
يا لك من طيب أحمق ! لهذا أتيتك كي لا تنخدع بهؤلاء العصاة الَّذين يحاربون دين الله سرّاً ويظهرون الوَرع والتَّقوى أمام المغفّلين أمثالك .
أتعرف الحاجّ زيّاداُ ؟
نعم ، هو حمامة المسجد ، لا يترك وقتاً يفوته ، وهو أوَّل الواصلين إلى المسجد وآخر الخارجين منه .
كما توقّعتُ تماماً ؛ فأنت يغرّك كلّ مَنْ تظاهر بالتَّقوى .
وما بال الحاج زيّاد ؟
لا شيء ، الرَّجل يضرب زوجته ويُعنِّف أطفاله فحسب ، ويحبسهم في البيت لأيام طويلة أيضاً ، أهكذا يأمركم دينكم ؟ وهل هذه الصَّلاة الَّتي تنهى عن الفحشاء والمنكر !
(شوف هالمحتال شوف) ! وعندما سألته : ماهذا الإزرقاق في يدك ؟ أجابني : إنها صُدمت بحافّة الطَّاولة ، والظَّاهر أنّ السّبب كثرة ضربه زوجتَه .
ألم أقل لك : إنهم منافقون دجّالون يمرقون من الدِّين كما يمرق السَّهم من الرَّمية ! ألم ترَ رأس إمام المسجد ملفوفاً بالشَّاش ؟
بلى رأيت وسألته ، فأجاب : إنَّ قدمه انزلقت وسقط أمام منزله بسبب ماء مسكوب .
لم أرَ أحمق منك يا عارف ! ومن سمّاك عارفاً لم يكن عارفاً بأيّ شيء ، أقول لك : إنهم كاذبون أفّاكون ، وتجاوبني بأنك سألتهم ، هذا الإمام الَّذي يدلُّ النَّاس على العمل الخيري وعلى الدِّين الكامل والصَّحيح ، كان البارحة يتلصّص على حمّام جارته ، وعندما وثب اصطدم رأسه بحافة إفريز النَّافذة فأخذ جزاءه في الدُّنيا قبل الآخرة .
أووووف يالهذا المنافق ! كنت أظنُّ فيه الخير والطِّيبة والورع ، وماذا عليَّ أن أفعل يا صاحب الصَّوت الخفيّ ؟
صلِّ في بيتك ، ولا تصلِّ وراء هذا الفاسق ، ولا مع هؤلاء الفُجّار العصاة .
إذا كان الوضع بهذا السُّوء فالأَولى اعتزال المسجد ، وترك مَن لا يخاف الله .
هيه هيه ، ما بالك أيها الصَّوت الخفيّ ؟
أراك حاملاً أموالاً إلى أين ستذهب بها ؟
سأعطيها صدقة إلى ابن عمي .
يا أهبل ، البارحة كان هو وأولاده يأكلون في المطعم المجاور ، وما ستعطيه لهم سينفقونه على المطاعم والرَّفاهية ، خبّئ أموالك ، فقد تحتاجها يوماً ، وإذا افتقرت فلن يعينك أحدٌ ولن يهتمّ بأمرك إنسانٌ .
والله هذا عين العقل ، سأخبئها لمن يستحقها ، وإن لم أجد فسأتركها لنفسي .
يا أحمق ، سمعتُ أنك تريد أن تحجّ إلى بيت الله .
أجل ، فهذه الشَّعيرة من أركان ديننا ، ومفروضة على من استطاع إليها سبيلاً .
ما زلت – يا فتى – يافعاً لا تعرف مصلحتك ، انتظر لتكبر بالعمر حتَّى يغفر الله لك جميع ذنوبك ، وإذا قضيتها الآن فستضطر في المستقبل أن تعيد الكرّة فتخسر كثيراً من أموالك .
صدقتَ يا صاحبَ الصَّوتِ الخفيّ والعقل الرَّاجح .
ماذا تفعل يا غبي ؟
أريد السّحور استعداداً لصوم أوّل أيام رمضان .
ألم يقل لك الطَّبيب : إن جسمك ضعيف ، وإنك محتاج للغذاء على مدار اليوم ؟! ولا تنسَ الماء ، فأنت لن تستطيع العمل بدونه .
وماذا عليَّ أن أفعل ؟ دع الصِّيام لأهله ، واهتمّ بحالتك وجسمك فإن الله لم يأمر بالهلاك .
كما تريد يا مرشدي وصديقي العزيز الَّذي أرى أنك تخاف عليَّ أكثر ممَّا أخاف على نفسي .
عليك أن تستمع لنصائحي دائماً ؛ فأنا من يأخذ بيدك إلى سبل الخير .
ولكن أريد أن أسألك – يا معلمي – : ماذا بقي من ديني إن أنا أهملت كلّ أركانه ؟
يا صديقي ، أنت تملك قلباً طيّباً ولا تؤذي أحداً ، وهذا يكفي لتنال مغفرة الله .